الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة استثمار الوظيفة و التعدي على الحرية

الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة الرشوة وصرف النفوذ والتعدي على الحرية و الاختلاس والسلطة إساءة استعمال السلطة و استثمار الوظيفة والإخلال بواجبات الوظيفة
شارك هذا:


رابعاً- استثمار الوظيفة:

تعد هذه الجريمة من أقدم جرائم الإخلال بواجبات الوظيفة حيث ظهرت إلى الوجود مع بداية تكون الدولة، وقد اختلف الفقهاء حول طبيعة هذه الجريمة إن كانت من الجرائم التي تقع على الوظيفة أو تتجاوزها حتى الإضرار بالأفراد.
وقد تأثر قانون العقوبات السوري بالتشريع اللبناني والفرنسي تأثراً بالغاً، لكنه صنف جريمة استثمار الوظيفة في عدة مواد وليس في مادة واحدة، وذلك لبيان الأوجه الإيجابية والسلبية لهذه الأفعال وفق المواد (351) وحتى (356) من قانون العقوبات.

1- استثمار الوظيفة والرشوة:

تتشابه أحياناً الواقعتان اللتان تكونان الجريمتين ولكن يتم التمييز بينهما على أساس مزدوج:
من وجهة نظر أولى يتم دفع مبلغ الرشوة باختيار من صاحبه فيما إذا كان يريد تقديم الهدية أو رفض تقديمها، أما في جريمة استثمار الوظيفة فيكون الشخص مرغماً على الأداء أو ملزماً به على أقل تقدير؛ لأن الجاني يدّعي أن القانون هو الذي يفرض أداءه.
أما من وجهة نظر ثانية فالمقابل يقدم في جريمة الرشوة باعتباره هدية ثمن الخدمة التي يقدمها الموظف من دون أي تدخل من القانون، أما في جريمة استثمار الوظيفة فالموظف يتذرع بالقانون وينسب ما يفرضه إليه ويوهم الشخص بأنه واجب قانوني وليس هدية أو عطية للموظف، لذلك فإن مقدِّم المبلغ في جريمة استثمار الوظيفة يعدّ ضحية ويكون في منأى عن الملاحقة، أما من قدَّم الفائدة في جريمة الرشوة فيعدّ مجرماً ويلاحق جزائياً، إذن: فإن مفهوم الرشوة يقوم على أساس العقد الجرمي بين صاحب المصلحة الراشي وبين الموظف المرتشي، أما في استثمار الوظيفة فيقوم على تصرفات الشخص الأخير.

2- عناصر جريمة استثمار الوظيفة:

تتكون هذه الجريمة من عدة عناصر:
أ- صفة الفاعل: إن هذه الجريمة لا يمكن تصور ارتكابها إلا من قبل موظف عام، كما هو الحال عليه في جريمتي الرشوة والاختلاس، وذلك لأن معناها الخيانة في أداء المهمة المكلف بها الموظف عن طريق إلزام الأشخاص بأداء جبايات أو رسوم وما سوى ذلك، أو منحهم إعفاءات منها مدعياً أن القانون هو الذي فرض أداءها أو الإعفاء منها، أما بالنسبة إلى الموظف العام فقد سبق توضيح صفته بالتفصيل.
ووقد توسع الاجتهاد القضائي والرأي الفقهي كثيراً في مفهوم الموظف؛ حتى إنهم قد قسموهم إلى عدة فئات، كفئة الموظفين العموميين، وفئة الجباة والمحصلين، وفئة المستخدمين والمأمورين. أما قانون العقوبات السوري فلم يعتمد هذا التصنيف وترك أمر التدقيق بالاختصاص للقضاء؛ شرط أن يعلل قراره تعليلاً منطقياً. وقد اشترط المشرع في فاعل هذه الجريمة أن يكون مكلفاً باستخلاص الجباية أو الرسم وفق أحكام القانون بإبراز ما يشعر المكلفين بالموجب، أما لو انتحل الوظيفة فلا يمكن ملاحقته بجرم استثمار الوظيفة ولو كان بالإمكان ملاحقته بجرائم أخرى كالاحتيال أو إساءة الأمانة، وتنتفي صفة الموظف إذا أحيل إلى التقاعد أو استقال أو فصل من عمله مع بقاء الملاحقة الجزائية ممكنة في حال تم الجرم بوقت سابق بتسهيل من وظيفته.
ب- العنصر المادي: يجب التفريق في العنصر المادي وفق ترتيب نصوص المواد في قانون العقوبات السوري:
أ- يتجلى العنصر المادي في المادة (351) من قانون العقوبات بالطلب أو التلقي أو الفرض أو الأمر بتحصيل ما هو معلوم بالنسبة إلى الفاعل بأنه غير واجب أداؤه أو زيادة عن الواجب، وبالتالي تصبح الجريمة مكتملة وتامة بمجرد حدوث ذلك سواء رضخ الشخص المطلوب منه لرغبة الجاني أم لم يرضخ. ولم يفرق القانون بين حالة الطلب الموجه أو التلقي إن كان صادراً إلى الأفراد أو إلى الدولة ذاتها عبر المؤسسات والإدارات والهيئات التابعة لها، كالمطالبة بمصاريف الانتقال، أو تعويض الساعات الإضافية.
ب- إن الفعل الجرمي في المادة (352) من قانون العقوبات يتشابه إلى حد كبير مع المادة السابقة؛ مع اختلاف بسيط يتوضح من خلال أن المادة (351) اشترطت أن يقوم الموظف بالطلب أو التلقي أو الفرض من المطلوب منه، أما هذه المادة - أي 352- فقد عكست الفعل؛ إذ اشترطت من ذلك الموظف أن يقوم بإعفاء المكلف من الضرائب أو الرسوم أو الغرامات وغيرها من العوائد من غير ورود ذلك في القانون أو إجازته لمثل هذا الإعفاء.
ج- إن ما ورد في المادة (353) من قانون العقوبات يختلف اختلافاً جذرياً من حيث الفعل المادي الصادر من أي شخص عن سابقتيها من المواد؛ إذ إن المشرع استوجب في هذه المادة أن يقوم من وكل إليه بيع أو شراء أو إدارة أموال منقولة كانت أو غير منقولة لحساب الدولة أو أي إدارة عامة؛ باقتراف غش ما في أي من الأعمال السابقة، أو مخالفة الأحكام التي تسري عليها، وذلك عن طريق الحصول على منفعة أو مغنم شخصي، أو بهدف محاباة أحد الطرفين على حساب الطرف الآخر بقصد الإساءة له والإضرار به؛ حتى لو كان قاصداً الإضرار بالطرف الذي تمثله الإدارة العامة.
د- عاد المشرع السوري من جديد في المادة (354) من قانون العقوبات إلى إيراد موضوع المنافع الشخصية وطريقة الحصول عليها بالنسبة إلى الموظف؛ إذ عد الفعل المادي الصادر من ذلك الموظف في هذه المادة هو حصوله على منفعة شخصية من إحدى معاملات الإدارة التي ينتمي إليها بغض النظر عن الطريقة، سواء كانت مباشرة أم على يد شخص مستعار، أم حتى في حال لجوئه إلى صكوك صورية.
هـ- أورد الشارع السوري في المادة (355) من قانون العقوبات جرم الاتجار في الحبوب والمواد الغذائية وسائر الحاجات الأولية من قبل بعض أصحاب السلطة والنفوذ، لما لهذه المواد من أهمية استراتيجية في غذاء الشعب؛ لأنها مواد رئيسية في حياته لا يستطيع الاستغناء عنها، ولذلك حظر من بيدهم السلطة من استغلال حاجة الشعب لبعض المواد والاتجار فيها؛ إذ منع القضاة وجباة المال وممثلي الإدارة وضباط الدرك أو الشرطة وسائر متولي السلطة العامة الذين يجري عليهم معاش الدولة إذا أقدموا جهاراً أو باللجوء إلى صكوك صورية مباشرة أو على يد شخص مستعار في المنطقة التي يمارسون السلطة فيها؛ على الاتجار في الحبوب والمواد الغذائية وجميع الحاجات ذات الضرورة الأولية، ولكنه استثنى من ذلك المواد الضرورية والحبوب إذا كانت من إنتاج أملاكهم. وحسناً فعل المشرع في معرض تجريمه لهذا الفعل لأنه يمس قوت الناس وغذاءَهم.
3- العنصر المعنوي:
اشترط القانون توافر القصد الجزائي لدى الموظف العام حتى يُعدَّ فعله جريمة استثمار للوظيفة، ويتحقق ذلك بعلم الفاعل بأن ما يطلبه أو يتلقاه غير مستحق الأداء، أو غير متوجب قانوناً، أو أن ما يعفي منه من ضرائب ورسوم لا يجيزه القانون، وعلمه بأن ما وُكِل إليه بيعه أو شراؤه أو إدارته نتيجة غشه جلب له منفعة ذاتية أو ضرّ بأحد الطرفين المتعاقدين، وأيضاً علمه بالمنفعة الشخصية الحاصل عليها في معرض تسييره لإحدى المعاملات ضمن دائرته أو نطاق سلطته.
والجدير بالذكر أن الجريمة لا تنتفي عن الموظف وتظل قائمة بالنسبة إليه ولو كان تصرفه بأمر من رؤسائه، ما لم يثبت أن الأمر المعطى من قبل الرئيس يدخل ضمن نطاق اختصاصاته، وبالتالي يتوجب عليه إطاعة الأوامر على اعتبار أن المرؤوس يخضع للرئيس. ولم يعتدّ المشرع السوري بالدافع ولم يُقِم له أي أهمية تذكر، ويبقى الفعل مُجرَّماً قانوناً ومتوجباً للعقاب. وأخيرا إن إثبات القصد الجرمي لهذه الأفعال هو من اختصاص قاضي الموضوع.
4- العقوبـة:
لقد جرمت المواد (351 حتى 356) جريمة استثمار الوظيفة بـ:
أ- الحبس سنة على الأقل وبغرامة أدناها ضعفا قيمة ما يجب رده بحق كل موظف أكره شخصاً من الأشخاص، أو حمله على أداء أو الوعد بأداء ما يعرف أنه غير واجب عليه، أو يزيد عما يجب عليه من الضرائب والرسوم وما سوى ذلك من العوائد، وتكون العقوبة نفسها بحق كل موظف يمنح إعفاءً من الضرائب والرسوم والغرامات وسواها من العوائد من غير أن يجيز القانون ذلك.
ب- الحبس سنتين على الأقل وبغرامة لا تنقص عن قيمة الضرر الناجم، إضافة إلى ما يقضي به من عقوبات جريمة الرشوة لكل من وُكِل إليه بيع أو شراء أو إدارة أموال منقولة أو غير منقولة لحساب الدولة أو لحساب إدارة عامة، فاقترف غشاً ما في أحد هذه الأعمال، أو خالف الأحكام التي تسري عليها إما بجرّ مغنم ذاتي، وإما مراعاة لفريق إضراراً بالفريق الآخر أو إضراراً بالإدارة.
ت- الحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة أقلها مئة ليرة بحق كل موظف حصل على منفعة شخصية من إحدى معاملات الإدارة التي ينتمي إليها سواء فعل ذلك مباشرة، أم على يد شخص مستعار، أم باللجوء إلى صكوك صورية، وأيضاً عوقب بالعقوبة ذاتها القضاة وجباة المال وممثلو الإدارة وضباط الدرك أو الشرطة وسائر متولي السلطة العامة الذين يجري عليهم معاش الدولة إذا أقدموا جهاراً أو باللجوء إلى صكوك صورية مباشرة؛ أو على يد شخص مستعار، على الاتجار في المنطقة التي يمارسون فيها السلطة في الحبوب والمواد الغذائية وسائر الحاجات ذات الضرورة الأولية ما عدا ما أنتجته أملاكهم.
وبعد أن نص المشرع على العقوبات المفروضة على جرم استثمار الوظيفة جاء بنص المادة (356) من قانون العقوبات المتضمنة تخفيضاً للعقوبات الواردة في نصوص المواد (349) إلى (352) حتى النصف؛ بشرط أن يكون الضرر الحاصل أو النفع الذي توخاه المجرم زهيدين، أو إذا عوض عن الضرر تعويضاً تاماً قبل إحالة القضية إلى المحكمة ويخفض من العقوبة بمقدار ربعها إذا حصل الرد أو التعويض في أثناء المحاكمة وقبل أي حكم في الأساس ولو غير مبرم.

خامساً- التعدي على الحرية:

الحرية حق مقدس، والديمقراطية الشعبية هي الطريقة المثلى التي تكفل للمواطن ممارسة حريته التي تجعل منه إنساناً كريماً، قادراً على العطاء والبناء، قادراً على الدفاع عن الوطن الذي يعيش فيه، قادراً على التضحية في سبيل الأمة التي ينتمي إليها، وحرية الوطن لا يصونها إلا المواطنون الأحرار، ولا تكتمل حرية المواطن إلا بتحرره الاقتصادي والاجتماعي، وقد كفل دستور الجمهورية العربية السورية لعام 1973 هذه الحرية بنص الفقرة الأولى من المادة (25) التي نصت على أن: «الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم». وقد أتى المشرع السوري بنص المادتين (357 و358) تطبيقاً للنصالدستوري المذكور، ويلاحظ أنه خص فيهما بالتعدي على الحرية الشخصية الموظفين الذين يقومون بحبس الأشخاص في غير الحالات التي ينص عليها القانون، ومديري السجون أو المعاهد التأديبية أو الإصلاحيات أو حراسها الذين يقبلون شخصاً من دون مذكرة قضائية أو قــــــــــــــــرار قضائي، أو استبقوه إلى أبعد من الأجــــــــــــــــــــل المحدد، فنصت المادة (357) من العقوبات السوري: «كل موظف أوقف أو حبس شخصاً من غير الحالات التي ينص عليها القانون يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة».
وقد حددت المادة (28) من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأحوال التي يجوز فيها القبض على أحد أو تحريه في حالتين فقط هما:
1- في حالة الجرم المشهود (جناية مشهودة، أو جنحة مشهودة).
2- في حالة وجود قرائن تدل على جناية منه أو الشروع في ارتكاب جناية، وقد بينت الفقرة الثانية من المادة المذكورة القرائن، على سبيل المثال: صراخ الناس؛ أو ضبط أشياء معهم أو أسلحة أو أوراق يستدل منها أنهم فاعلو الجرم وذلك في الأربع والعشرين ساعة من وقوع الجرم. أما في حالة الجنايات والجنح غير المشهودة فلا يجوز إلقاء القبض على أحد إلا بأمر من قاضي التحقيق.
والمقصود بالقبض «إمساك الشخص في جسمه، وتقييد حركته وحرمانه حق التجول دون أن يتعلق الأمر على فترة زمنية معينة». والقبض المادي يبرر تحري ما قد يكون في جسم الإنسان من أوراق أو أشياء من شأنها أن تساعد على إثبات الجريمة. وحق القبض يختلف عن حق الاستيقاف الذي يعني التعرض لشخص من الأشخاص وضع نفسه في موقف الشبهات والريب؛ للكشف عن حقيقة أمره. والاستيقاف من حق كل موظف من موظفي السلطة العامة - شرطة حراس ليليين ومن في حكمهم - أن يقوم به. وقد جاء في اجتهاد لمحكمة النقض السورية ما نصه «إذا كان المعتدي قد أوجد نفسه في حالة الشبهة أو في جريمة مشهودة فإن إلقاء القبض عليه لا يعد من قبيل الاعتداء على الحرية» (نقض سوري، جنحة 373 قرار 245 تاريخ 17/2/1968).
ومع أن القانوني السوري لم يذكر الاستيقاف فإن له ما يبرره. وبما أن التفتيش فيه مساس بحرية الأشخاص؛ لذلك لا يجوز إلا في الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك، وهو أساساً من إجراءات التحقيق ويملكه في جميع الأحوال قاضي التحقيق.
وأوجبت المادة (358) - كما ذكر آنفاً- على مديري السجون أو المعاهد التأديبية أو الإصلاحيات وحراسها، وكل من اضطلع بصلاحياتهم من الموظفين؛ أن لا يقبلوا أي شخص دون مذكرة قضائية أو قرار قضائي أو استبقاءه إلى أبعد من الأجل المحدد، تحت طائلة عقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات. وهذا يقتضي أن يكون الفاعل من الموظفين المخولين بإدارة السجون، وأن ينفذ أوامر السلطة القضائية وقراراتها فيما يتعلق بالتوقيف وإطلاق السراح. وهذا ما بينته المواد (213 و214) من نظام خدمة الشرطة رقم (1962) تاريخ 25/3/1930 وتعديلاته.
واستكمالاً لما قررته المادة (358) من قانون العقوبات والتي منعت القبول أو الاستبقاء من دون مبرر قانوني جاءت المادة (359) منه لتعاقب الأشخاص المذكورين في المادة السابقة، وجميع ضباط القوة العامة وأفرادها، وجميع الموظفين الإداريين الذين يرفضون أو يؤخرون إحضار شخص مُوقف أو سجين أمام القاضي ذي الصلاحية الذي يطلب إليهم ذلك؛ بالحبس من شهر إلى سنة. ويتم ذلك بناء على طلب خطي تقدمه السلطات القضائية ذات الصلاحية، وتقوم الوحدات الشرطية المختصة بنقل الموقوفين المطلوب مثولهم أمام المحاكم أو أعضاء النيابة، أو المستنطق، وهي تعيدهم إلى السجن في أقرب وقت ممكن على أن تقوم أيضاً بحراسة السجناء الذين يشغلون خارج السجن مهما كان عددهم، وذلك وفق نظام السجون الصادر بالقرار (1222) لعام 1929 وتعديلاته.
وأن الفقرة الثانية من المادة (359) من قانون العقوبات عاقبت أيضاً بالعقوبة نفسها الواردة في الفقرة الأولى من لا يمتثل مباشرة لما يطلبه القاضي من إبراز سجل السجن وجميع سجلات أمكنة التوقيف التي هم ملحقون بها.
ولكن هناك مسألة لا بد من بيانها أن التعدي على الحرية المنصوص عليها بالمواد (357) وما يليها من قانون العقوبات تختلف عن واقع حرمان الشخص من حريته الشخصية بحكم فعل الأفراد العاديين الذي يعدّ على سبيل الاحتجاز والخطف المنصوص عليهما في المادة (555) وما يليها من قانون العقوبات، وذلك لعلة اتصاف الفاعلين بالعمل الوظيفي.
وكما صان الدستور في الجمهورية العربية السورية الحرية الشخصية للمواطنين وجعلها حق مقدس، ومنع تحري أحد أو توقيفه إلا وفقاً للقانون؛ كذلك صان حرمة المساكن، ومنع الدخول إليها أو تفتيشها إلا في الأحوال التي يجيزها القانون (المادة 31 من الدستور السوري 1973). والحكمة في ذلك أن تفتيش المسكن يؤدي إلى قسر إرادة المواطن، ويؤذي سر الحياة الخاصة للناس، لذلك يعد التفتيش عملاً قضائياً.
ولكن القانون أجاز لرجال الضابطة العدلية (قضاة الصلح، وضباط الشرطة، ورؤساء المخافر، وقضاة النيابة) دخول البيوت وتفتيشها، وذلك لكشف آثار الجريمة في حالة الجناية أو الجنحة غير المشهودة، أو بناء على طلب رب المنزل (المواد 89 وما يليها من قانون أصول المحاكمات الجزائية).
ولتحقق هذه الجريمة لا بد من توافر عناصرها وهي:
1- واقعة الدخول إلى المسكن: القانون لم ُيعَرِّف المسكن أو المنزل أو البيت، ولكن الحصانة التي قصدها المشرع تشمل المسكن الذي يقيم فيه الشخص بصورة دائمة أو مؤقتة، وملحقات هذا المسكن من حديقة ومرآب وسطح، وكل ما يعدّ جزءاً منه، كما تشمل كل مكان آخر خاص بالمدعى عليه وغير معد لدخول الجمهور كالمستودع، لذلك فإن المحلات العامة بطبيعتها كالشوارع والحدائق العامة، والمحلات العامة بالتخصيص كالمعابد والمقاهي والمطاعم والمكتبات العامة والمستشفيات العامة والخاصة؛ يحق لرجال الضابطة العدلية الدخول إليها في الأوقات التي تكون فيها مفتوحة لاستقبال الجمهور؛ لضبط مخالفاتها، وما سوى المخالفات لا يحق لهم دخولها للكشف عن جرائم أخرى. وفي غير الأوقات المتاحة للجمهور تعد في حكم المساكن. وتعدّ العيادة الطبية ومكاتب المحامين في حكم البيوت أيضاً.
2- صفة الوظيفة: يجب أن يكون الفاعل موظفاً عاماً، وبصورة خاصة ضابطاً عدلياً أو أحد أفراد القوى المسلحة، شرط أن يتصرف بسبب وظيفته متجاوزاً حقه وسلطانه. فلا يجوز لهؤلاء إجراء التفتيش إلا بإذن السلطات القضائية ولضرورات التحقيق، وكل موظف ليس لديه إذن وقام بالتفتيش فإنه يعاقب ما لم يحصل برضاء صاحب المسكن أو المحل.
3- ظروف الدخول: الأصل أن يتم التفتيش نهاراً، ولكن لم يرد في القانون السوري نص يمنع التفتيش ليلاً، وقد صدر عن وزارة العدل بلاغاً يجيز التفتيش في الليل، ولكنها نصحت بالإقلال منه. كما يحق للضابط العدلي متابعة التفتيش ليلاً إذا بدأه نهاراً. ويجب أن يتم الدخول وفق الأصول، ولتحقيق الغاية التي حصل الإذن بشأنها.
4- خلافاً لإرادة صاحب الحق: هذا الشرط هو ما يميز الحرية التي يقوم بها الأفراد العاديون، والجريمة التي يقوم بها الموظفون؛ إذ يكفي لإثبات شرعية دخول الموظف المختص حصول الإذن من السلطة القضائية المختصة على الرغم من معارضة صاحب الحق متى تم وفق الأصول.
5- النية الجرمية: يتحقق العنصر المعنوي في هذه الجريمة في حال توافر القصد الجنائي العام القائم على علم الجاني بعدم مشروعية تصرفه؛ بقطع النظر عن القصد الخاص أو الدافع حتى لو كان شريفاً.
ومما تجدر الإشارة إليه أنه لا عقاب على الشروع في الجريمة المنصوص عليها بالمادة (360) من قانون العقوبات، وإن تجاوزت حداً بعيداً واقترنت بأفعال تحضيرية، مثل قيام الدورية بعملية تسلق السور من دون جدوى.
6- العقوبة: عاقب القانون الموظف الذي يدخل إلى منزل أحد الناس أو ملحقاته خلافاً للحالات التي نص عليها القانون؛ من دون أن يراعي الأصول المفروضة بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، وبذلك فإن الوصف القانوني للعقوبة هو جنحوي، ولكن المشرع شدد العقوبة وجعل حدها الأدنى لا يقل عن ستة أشهر إذا رافقت عملية الدخول إلى المكان من أجل تحريه أعمال تحكمية من جبر أو شدة.
شارك هذا:

القسم الجزائي

اضف تعليق:

0 تعليقات: